Extraits du commentaire de texte de Omar LAKHSASSI, lycée Lyautey de Casablanca
(1er prix au concours général d’arabe 2000)
Publié avec l’accord du lauréat
لا أحد ينكر فضل عميد الأدب العربي طه حسين على الثقافة العربية في مصر خاصة وفي العالم العربي عامة. فقد جعل هذا الرجل الأعمى من الكلمة سلاحا قويا يتغلب به على مصاعب حياته وما أدراك ما مصاعب تلك الحياة. ولذلك فهو الأحق في زمانه بالإجابة عن الإشكاليات التي يطرحها الأدب العربي وباقتراح الحلول المناسبة للنهوض باللغة العربية. وفي هذا الإطار، اكتسى مجلد « مستقبل الثقافة في مصر » أهمية قصوى نظرا لتأكيده إلى المكانة التي تحتلها هذه اللغة في مجتمعنا ولاحظ طه حسين من خلاله فكرة شاعت في الأوساط الفكرية والتي تزعم أن اللغة العربية ملك لرجال الدين وأنها لا تقدر على التسرب إلى مجالات وأفق أخرى.
في ظل هدفه الأول والأخير وهو إقناع الجميع بأهمية اللغة العربية، يشرع طه حسين في رصد وظائف اللغة العربية : فهو يرى فيها ما لا يراه البعض ويقدر أكثر من غيره إلى تنظيم هذه الوظائف في إطار نص أدبي سلس ومتين حتى لا يستعصي على أحد ضبطها بدقة ويسر. فالعقل الإنساني يصل إلى الذروة عندما يصغي إلى المعلومات في شكل أنيق عذب يثلج الصدر ويطمئن الفؤاد. ولا بأس أن نستحضر قول المتنبي في ذلك :
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي وأسمعت كلماتي من به صمم
فلنعد إلى شأننا ولنمعن النظر فيما يراه طه حسين من وظائف اللغة العربية.
في مرحلة أولى، تلعب اللغة العربية دور ناقل للتراث. فمن خلالها، استطاع العرب حتى الآن أن يحافظوا على مقومات العروبة من قيم ومبادئ وثقافة وتقاليد. فالزمن يدور وتنقلب الأوضاع رأسا على عقب ولا يظل للمجتمعات العاجزة عن إيقاف عجلة الزمن إلا المخطوطات والأوراق والكتب للحفاظ على هويتها وعلى أصالتها. فالأشعار الطللية كفيلة بوصف حياة العرب في العصور السابقة، حياة شاقة وقاسية لا استقرار فيها ولا أمان حتى أن بعضهم قال : « ليت أني من الأزل لم أعش هذه الحياة ». على أي حال فإن طه حسين يعتبر اللغة العربية الوسيلة المثلى لتحقيق الاستمرارية وللحفاظ على ترابط الأجيال فيما بينها من الجاهلية إلى آخر عنقود عربي على هذه الأرض.
بعد ذلك، يبرز طه حسين وظيفة أخرى للغة العربية ألا وهي وظيفة التواصل اليومي بين أفراد المجتمع العربي. فتلك الجمل، التي نلفظها كل يوم بل كل دقيقة مهما كانت بساطتها ومهما كان مستوى صاحبها الفكري والثقافي متواضعا، إنما هي ضرورية لقضاء حاجاتنا « الفردية » و »الاجتماعية » وإن تم تجريدنا من القدرة على استعمالها لشلت حركة مجتمعنا تماما. فلا علم بدون لغة، ولا تجارة بدون لغة، ولن يسعنا حينئذ إلا الغوص في بحر من العزلة والوحدة.
إذن، فاللغة العربية هي أداة نحن بأمس الحاجة إليها ليفهم بعضنا البعض ولكنها حسب طه حسين أكثر من ذلك لأنها قبل أي شيء آخر تخول لنا فهم أنفسنا. فالأفكار والخواطر حسب الكاتب ليست إلا مجموعة من الألفاظ والجمل المبعثرة التي تدور في ألبابنا. وهو يطرح بذلك إشكالية هامة اختلفت الأجوبة عنها. هل التفكير مرهون باللغة وهل يستطيع الإنسان أن يفكر إن جهل جميع اللغات ؟ يبدو أن طه حسين من المقتنعين بأن اللغة ضرورية لمناجاة النفس. ولذلك، فإنه يعد الحياة بدون اللغة العربية من المستحيلات علما بأن الإنسان بدون تفكير كالحياة بلا ربيع. فالإنسان لا يسمو على باقي خلق الله إلا بعقله وبحسه وبشعوره وإن جرد عن تفكيره فإنه ولا شك سيعود إلى حياة بدائية محضة.
وانطلاقا من هذه الأمور جميعها، أثبت عميد الأدب العربي طه حسين أن مجال اللغة العربية أوسع مما يتصوره البعض وأنه لا يقتصر على العلوم الدينية فحسب، بل إنه يشمل مكونات الحياة جميعها سواء كانت فردية أو جماعية، دينية أو دنيوية. كما أنه يوسع مجال اللغة العربية زمانيا أيضا، فهي لغة « القدماء من العرب » لكنها لغتنا أيضا ولغة خلفنا. وهكذا، أصبح من التعسف تأطير اللغة العربية مكانيا وزمانيا. ومن الواضح أن طه حسين يهدف من خلال هذه العبارات إلى تفنيد ودحض رأي بعض المفكرين (وخاصة من الأزهريين) الذين يزعمون أن اللغة العربية لا تصلح إلا للتمعن والتفكر في النصوص الدينية من القرآن وحديث رسول الله وأنها بذلك ستظل حبيسة العصور القديمة. ويبدو طبيعيا وبديهيا أن مثل هذا الرأي لا أساس له من الصحة لأن جميع اللغات تتطور لتساير الواقع ولتساير دوران عجلة الزمان فتكون بذلك من بواعث تقدم ورقي المجتمعات التي تستخدمها.
وعلى الرغم من أن طه حسين درس في الأزهر، فإنه كثيرا ما عارض أحكام ومواقف أعمدة الأزهر لدرجة أنه طرد واتهم بالزندقة كما هو حال أي رجل تقدمي يحدث تغييرا في مجال من المجالات. وهذا يظهر جليا في استنكاره لمحاولة رجال الأزهر احتكار اللغة العربية تماما وجعل أنفسهم دون الآخرين أمناء عليها. لا ينكر أحد أن القرآن الكريم يظل مرجع اللغة العربية الأساسي لما فيه من بلاغة وحسن صياغة وعمق في الدلالات. ولكن اللغة العربية ليست وليدة العصر الإسلامي خاصة وأن العصر الجاهلي يظل حتى يومنا هذا أغزر مرحلة عرفها الأدب العربي. فأين نحن من معلقات امرئ القيس وزهير بن أبي سلمى وعنترة بن شداد ؟ لقد كان العرب في تلك المرحلة يقولون الشعر بسهولة ويسر تعجب لهما العين إذا شاهدت والأذن إذا أصغت. وإن كان هذا حقا، فمن السخف أن نعتبر اللغة العربية لغة تحتكرها السلطات الدينية وحدها، وأن نقصيها من الأمور الدنيوية.
ولو تركنا اللغة العربية في يد مجموعة من الناس الذين يشكلون « النخبة » لكان ذلك من مظاهر التسلط والاستبداد والخروج عن أهم مفاهيم الإسلام الذي أفصح عنه نبي الرحمة قائلا : « آمركم شورى بينكم ». فهذا الحديث يظهر بوضوح حرص الإسلام على إشراك جميع أفراد المجتمع في أمور الحياة سواء كانت سياسية أو غير ذلك.
ولذلك فإن التصرف في لغتنا من حق أي واحد أراد أن يفعل، إن كان حقا أهلا له. فطه حسين يقصد بقوله « متى استوفى الشروط التي تبيح له هذا التصرف » أن من يريد أن يساهم في تطوير اللغة العربية لا بد أن يكون ذا علم بأحكامها وقواعدها حتى يكون عمله مفيدا لها حقا ولا يزيدها ركاكة وتعقيدا.
في مرحلة أخرى ، يضيف طه حسين قرينة أخرى في نطاق دحضه « للنظرية الأزهرية » تمثلت في تذكيره بأن مجموعة من رواد اللغة العربية لم يكونوا من أهل العلوم الدينية. فكبار النحويين مثل سيبويه وكبار الأدباء مثل نجيب محفوظ وجورجي زيدان.
وهكذا، يصل طه حسين إلى نهاية نقده ويلخص ما جاء فيه بعبارة « اللغة العربية لغة الحياة كلها » أي أن هذه اللغة تمس واقعنا من جميع الجوانب وأن الجانب الديني مهما كانت عظمته لا يحتكرها تماما ولا يمنعها من ملامسة المجالات والعلوم الأخرى. فترتقي اللفة العربية يوما بعد يوم لتساهم في تنمية المجتمعات العربية، ولا ريب أن حصرها سيعوق هذا التقدم البناء. وقد أثبت لنا طه حسين مرة أخرى أن مشاركته في الثقافة العربية لا حدود لها وأنه مستعد دائما لتجنيد قلمه في سبيل تحسين مكانة الأدب العربي واللغة العربية.