Extraits du commentaire de texte de Mademoiselle Manal DIA
1er prix au concours général d’arabe 2002
lycée Abdelkader – Beyrouth
Publié avec l’accord de la lauréate
يطرح الكاتب في هذا النص موضوع اختفاء شخصية أساسية طبعت الأدب الشعبي في عصور آنقة، ثم جاء الأدب المعاصر ليطمسها تماماً. فالكاتب أراد، وانطلاقاً من تعريف شامل لطبائع هذه الشخصية، وهي جحا، تعليل اختفائها عن الستحة الأدبية المعاصرة، وهو اختفاء لم ير فيه حدثاً فجائياً مستغرباً بل مسألة منطقية لا مفر منها. يبقى السؤال عن شمولية هذه الشخصية وصحة تقييدها بعصر معيّن، وهو ما سنبرزه لاحقاً.
« إنّ جحا، نصف المعتوه، نصف الحكيم، يقول ما لا يعنيه، ويعني ما لا يقوله … » – بهذه الكلمات استهلّ الصادق النيهوم حديثه عن جحا، مبرزاً منذ مطلع النص الثنائية التي تخيّم بل تهيمن على هذه الشخصية – فهذه الأخيرة مركّبة أحذق التركيب، مبنية أمهر البناء، بحيث ترفل بمعالم متضادّة في الظاهر، متكاملة في الباطن […]
فجحا المواطن […] هو الذى استقى من الدين « كنوزاً من الحكمة في شرع الجماعة »، كما كتب النيهوم، مبرزاً عبر هذه الاستعادة الوجه الحقيقي للإسلام، في إغناء نفس المؤمن وتحريرها من قيود الخوف والقلق، وإطلاقها من أغلال الفقر والفاقة، وإعطائها حقوقها الشرعية المستحقة. فجحا « المواطن المسلم شخصيّاً » شرب من مناهل دينه ما يصلح به حياته ويقوّمها ويفيد بها غيره – وشخصيّاً تبرز هنا الجهد الذي قام به الانسان والفرد في جحا ليصل الى هذه الدرجة من الوعي والحكمة – على أنّ الوجه الآخر لاستخدام الدين، ألا وهو الوجه القمعي المشوِّه جاء ليقلب هذه المزايا، فسُلِب جحا حقّه، وسيق تحت « عصي الجنود »، في قبضة الخوف والفقر، « باسم الشرع نفسه »[…] فالثنائية التي أراد الكاتب إبرازها منذ البدء […] هي في الحقيقة قناع لاعتداله ووعيه ومجابهته للإدارة السياسية المتغطرسة، وتصدّيه للسلطان وجبروته […] فهو يمتطي « الحمار » خلافاً للجندي الخاضع للسلطان، وهو « الدرويش » على عكس أهل الثقافة الخانعين للسلطة، هو الحكيم في الشرع دون أن يكون قاضياً أسيراً للسلطان، وهو الذي يعتمر العمامة ويفتي دون أن يكون فقيهاً، وهو الذي يحاسب بقلبه و »لسانه » دون هوادة، همّه الأكبر رفض شرعية السلطان المتغطرس وعدم العتراف بها، وفضح قضاة الحكم الفاسدين وفقهائه التائهين وجنوده المأجورين. وفي هذا السياق انحفرت في ذاكرة الأدب الشعبي طرق عديدة تجلّى فيها دور جحا الناقد هذا […]
رأى النيهوم أنّ غياب جحا عن الأدب الشعبي المعاصر، وبقائه مقيداً بمطيته البدائية « الحمار » وثيابه « الاسلامية » التقليدية التي تخلّت عنها المجتمعات العربية المعاصرة، ما هو إلاّ نتيجة عاملين أساسيين: أوّلهما أنّ شخصية جحا ورسالته ملتصقتان « بلغة القرآن » مما يجعل مستحيلاً إدخالهما في عصور غابرة سبقت الاسلام، أو في العصور الحديثة حيث خفّت هذه اللغة وتداخلت معها تيّارات جديدة كالماركسية أو الطائفية بتزمّتها الأعمى. […] أما السبب الثاني، فهو أنّ نكت جحا ليست نكتاً خفيفة كتلك الشائعة في أيامنا هذه والتي تستمدّ موضوعاتها من أمثال اجتماعيّة غير هادفة. […] فالصادق النيهوم استطاع أن يعكس أنّ التصاق جحا بميزات حضارته الاسلامية البدائية […] لم يقف عثرة أمام رفعه لقضية تجاوزت حدود حضارته […].
« لم يدخل جحا عصر الآلة، لأّنه ليس مواطناً تائهاً بين الحضارات »، كما كتب النيهوم. ولكن هل في تطور شخصية جحا – أي اكتسابها عادات مجتمعنا المعاصر من ملبس ووسائل نقل تستوجب تغيّرها على الصعيد الايديولوجي أو تستلزم اضعاف تصنيفها في محاربة الظلم والجور وفضح السلطة الفاسدة؟ فالواقع « غير الاسلامي » الذي نعيش فيه اليوم – وبهذا نعني الواقع المطبوع بانحسار القيم الاخلاقية والمناقب وانطماسها في مجتمع همّه الشاغل ملاحقة شبح المادة بشجع هيهات أن يستكين، انّما يستوجب بروز شخصية متطورة لجحا، يكون فيها « المواطن المسلم » المطبوع بالحكمة والوعي والمعرفة في خضمّ المجتمع الحديث وغياهب ما يقدّمه في تلبية مسهّلة وفوريّة لحاجاته وغرائزه. ففقط هذا سيأهّله لنقد فعّال لما آل إليه الحال، بل ويضعه في وضعية فضلى، لأنّه كلما ولج في « عصر الآلة » عبر الحكايات الشعبية المعاصرة، كلما استطاع التأثير على أبناء هذا العصر، والتغيير في سلوكهم وعقلياتهم. […]
هكذا، وُفَّق الكاتب في إبراز معالم شخصية جحا على تناقدها وتعقيدها، كما عرف كيف يعرض لنا رسالة هذه الشخصية المتعدّدة النواحي: في السياسة والدين والعلم والثقافة والشرع … حتّى لبست كالماسة المتألّقة بتعدّد وجوهها. بيد أنّ تقييد جحا بطابع حضاري وحيد ربما من شأنه إضعاف رسالته وإعاقة غاياتها في بلوغ الأكثرية. على كل حال، يبقى هذا النصّ خير دليل على كون الأدب مرآة للمجتمع، فيها ينعكس كلّ ما يحفل به من قضايا وجمال وشجون …